تأملات فى العلمانية و الاسلام
طالما وصلتني رسالة محمد علية الصلاة والسلام علي انها دعوة الي الحرية الحقيقية للبشر . حرية الفكر والدين والامتلاك والعيش والزواج والطلاق وحرية التعامل المباشر مع الله ، والعديد من الحريات. ادرك جيدا انه ربما اغلب من تخصصوا في دراسة الاسلام قد ينكرون ذلك سواء بطريقة مباشرة او عن طريق تعمد استخدام تفاسير تتوائم واهدافهم ، الا انني لا استطيع ان اكتب الا ما استقر عليه ضميري ووجداني خلال طول قراءتي للقران الكريم الذي أرسل محمدا عليه السلام لايصاله لنا.
“”ولا انتم عابدون ما اعبد . لكم دينكم ولي ديني.””سورة الكافرون الاية ٥ و٦
سورة واضحة المعاني والمقاصد ولا تحتمل الا قراءة حقيقية واحدة . تقول ان محمدا عليه السلام لا ينوي ولا يطمح وليس مطلوبا منه ان يغير عقائد الاخرين ، وان ظل متمسكا بعقيدته تمام التمسك. ولا يأتي في سياق هذه السورة المكتملة اياتها اي عقاب او عاقبة لمن لن يعبدوا رب محمد . الرؤية صريحة وواضحة لا تحتمل التأويل.
وهذا في مواجهة فكر الكافرين . فما بالنا بفكر اهل الكتاب الذين اتي محمد عليه السلام برسالة لا تنفصل عن رسالاتهم ولا تنكرها ولاتنفيها؟؟
توقفت كثيرا عند سورة المائدة بالتحديد . فهي سورة يحمل اسمها اصلا قصة لها علاقة باليهودية والمسيحية مجتمعين. فالاسم يحكي عن رغبة تقدم بها اليهود ، الذين نزل عيسي عليه السلام بينهم ، الي السيد المسيح طالبين منه سؤال ربه أن ينزل لهم مائدة عامرة بالطعام ليأكلوا منها ولتطمئن قلوبهم عند مشاهدة المعجزة.
هذا عن اسم السورة وعن علاقها الوثيقة باهل الكتاب وعقيدتهم عموما . بينما وجدت في اياتها اعظم قيم الحرية الدينية بل ووجوب انفصال الحكم عن العقيدة الدينية.و بالرغم من تنظيم الايات بسورة المائدة للعديد من الشرائع والمبادئ والشعائر ،فانها نأت بها جميعا عن مقاصد الحكم وبخاصة ما يتعارف عليه بالحكم السياسي اليوم.
“” يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوي واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون”” الاية رقم ٨
بعد ٧ ايات تحدد الحرام والحلال في الطعام والاشهر والغسل وخلافه مما يمكن اعتباره شعائر دينية إسلامية أساسية ، تأتي الاية الثامنة لتحدد شعيرة المسلمين عند التعامل مع الاخرين ، لا سيما من يحملون لهم البغض من المشركين . فالاية تحثهم علي الا يجعلوا بغضهم للمشركين يتحكم ويمنعهم من الحكم بالعدل . وغني عن الذكر ان العدل مقياسه واحد في جميع الظروف والملابسات ، ولذلك فان الاية لم تحدد بل ومن الواضح انها لم تشترط اطلاقا ان يكون الحكم وفقا لاي شريعة او عقيدة ،، إلا العدل ، الحكم يكون وفقا للعدل الذي هو اقرب الي التقوي.
“”وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”” الاية ٤٧
يا سبحان الله ، بعد عدة ايات من القصص القرانية عن اليهود والمسيحيين كأهل كتب ، تنتقدهم الايات في اغلبها حقيقة ، ولكن في سياق ما يعتبر إلزاما علي المسلمين فقط بتصديقه. تأتي هذه الاية التي تقول أن أهل الانجيل من حقهم ان يحكموا بما اتت به شريعتهم . وغني عن الذكر ان هذا الحق يذكر هنا في سياق ان يكونوا مواطنين في ظل دولة تتبع شريعة الاسلام . مما يعني بديهيا ان الاسلام لا يفرض شريعته بدءا علي الاخرين وبخاصة اهل الكتاب.
“”وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ”” الاية ٤٨
هذه الاية من سورة المائدة في نظري هي تعريف شامل للعلمانية وللدولة المدنية ايضا، فها هو االقران والاسلام يعلنان ان الله وحده هو الذي سينبئنا جميعا بما نحن فيه نختلف اليوم ومن قديم الزمن . ولكن ذلك لن يكون إلا عندما نرجع اليه.
الاية لا تمنعنا من الاختلاف و لا تفرض وجهة نظر علي اخري ، وانما توافق صراحة علي خلافاتنا بل وعلي استمرارنا في الاختلاف. وعلي تمسك كل منا بالشرعة والمنهاج الذي يختاره في الدنيا دونما عقاب او تهديد.
وبديهي انه عندما يعيش المختلفون في كنف دولة واحدة وادارة واحدة ، فان الحكم بهذه الدولة لابد وان يتسم بالعدل . والعدل يتم بتطبيق الاعراف والقوانين الدنيوية التي يوافق عليها جميع المختلفين . خاصة وان الاية ٨ ، قد اصرت علي الا يحكم بين الناس الا بالعدل حتي لو كانوا كافرين وحتي لو حمل بعضهم لبعض البغضاء.
أليس هذا هو تعريف العلمانية التي تقسم الحكم ، فالشرعة والمنهاج الديني ليلتزم به كل تابع لعقيدة ، ولكن الحكم بين الجميع يكون بقيم اخري اولها العدل؟
الا يعني ذلك انه من حقنا ان نعيش في ظل دولة علمانية وبحقوق مواطنة كاملة وفي نفس الوقت نظل مسلمين متدينين ؟
“” يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله ان كنتم مؤمنين””الاية ٥٧
بعدما قالت الاية ٥١ بألا يقبل المؤمنون ولاية اليهود والنصاري ، مع ضرورة الاخذ في الاعتبار ان الاية لم تحدد عقابا لمن يقبل ولاية اليهود والنصاري اساسا . الا ان الاية ٥٧ جاءت لتوضح الكثير . نجدها تكاد تضع شرطا اساسيا لرفض ولاية اهل الكتاب بل انها اضافت اليهم الكفار ايضا. فالشرط هو ان يكونوا من المستهزئين بدين المؤمنين .
وعليه فان نص الاية يقول انه لو أراد واحد ممن أوتوا الكتاب او حتي من الكفار الولاية علي المؤمنين ، فإن ذلك جائز بشرط الا يستهزئ أي منهم بدين المؤمنين .
أتساءل .. أوليس هذا من تعريف الليبرالية؟ علمونا ان الليبرالية هي :ألا يستهزئ اصحاب فكر ما من الاخرين الذين يتبعون فكرا اخر اوفكرا مخالفا؟
ألا يتحفوننا ليل نهار بحرية الرأي وبعدم التطاول علي والحكم علي والتسفيه من اراء الاخرين؟
فهل لو وجدنا هذا في ايات القران نرفضه؟
في النهاية اتمني ان اكون قد أوضحت أن قراءتي وتأملاتي في هذه الايات وغيرها الكثير ، جعلتني اقول ان الاسلام عن حق لا يتعارض اطلاقا مع قيم العلمانية والليبرالية والدولة المدنية . ومن يعارضون هذه الرؤية للاسلام وللقران ، انما هم من يطمعون في حكم البلاد حكما جائرا ،حكما يقوم اساسا علي كذبة قوامها أنهم ينفذون أوامر الله تعالي ، بينما هم أول من يرفض الاعتراف بان الله سبحانه وتعالي برئ من ادعائاتهم ومن تفاسيرهم وتفاسير السابقين للقران ، تلك التفاسير التي قاموا بها ارضاء لحكام اوسلاطين او لاصحاب مصلحة.
منقول
نهى فتحى
أنصح بقراءة كتاب
ردحذففقه الدولة في الإسلام
للدكتور يوسف القرضاوي
ففيه شرح مفصل لموقف الدولة في الإسلام (التي تحكم بما أنزل الله في القرآن) من الأقليات ولاسيما أهل الكتاب
--------------------
أظن أن الكاتبة وضعت الهدف أولا ثم تدبرت في آيات القرآن لتبحث فيها عما يؤيد هدفها. فهي ابتضعت من آياته وأجتزأت ولم تأخذ القرآن كله بعين الاعتبار
--------------------
كون الدولة مدنية لا إشكال في ذلك ولكن الإشكال في أن تسن قوانين وضعية مختلفة مع الشريعة الإسلامية وهذا لا يتعارض مع الحكم لأهل الكتاب لشريعتهم في الأحوال الشخصية ... إذا تكلمنا على المسيحية فلا يوجد لديهم تشريع مختلف عن الإسلام إلا في الأحوال الشخصية ... أما الزنا مثلا فمحرم في كل الشرائع
رفض البعض ببغض لمفهوم الدولة المدنية ولمهفوم الليبرالية وبقية المفاهيم السياسية جعل البعض الاخر يبحث ويبحث فى رأى الاسلام فى تلك المسائل و مدى تطابقها واتفاقها مع الدين من عدمه
ردحذف