الاثنين، 5 مارس 2012

فى رثاء وردى

                                                         ايو بيووه وردى ..... وردى ديوسوا ..
                                                          يا ملن الله منا اديل دارى .. منقا ناوروا 



((   كبرت ليك      ............           تسعتاشر سنة  ))

(( جات تندلى بالوديان عديلة ......  الكاحلة بلا كحل .. بت القبيلة ))

(( والناس اللي كانو السبب ..  رموني وصبحو فراجه ))

(( وسكتي الخشامة  ............... وزيدى العواذل كي ))


                                             تقديم
مشهد 1 
الزمان ثلاثينيات القرن العشرين
  سكون موسيقى النكهة يغلف ليلاً هادئاً ذو سماءاً صافية تحتضن فى كبدها سراجاً منيراً تتضاءل بجانبه أنوار باريس وكأنها لوحة بديعة تنقصها لمسة من سحر .  فيظهر فى المشهد نيل نوبى رقراق ينساب فى مساره وسط جنادله الكثيرة ,  فتدرك وقتها  لما هو سكون موسيقى النكهة فالماء فى انسيابه يرتطم بوداعة فى صخور الجنادل فتعزف الطبيعة نغماتها الشجية فى اوركسترا ربانى بديع وعلى ضفتى هذا الساحر تترامى  أراض سوداء صبغتها تراكمات طبقات الطمى على مدى قرون لا نعلم عددها منذ أن بدأ تدفق النيل فى مساره هذا  , وعلى الضفاف  تتناثر معابد وتماثيل وأهرامات نوبية تنتمى لحضارة كوش القديمة و نشاهد أيضاً  نخيلاً مثمراً تتهادى جذوعه بفعل نسيم بارد عليل فى ليلة صيفية رطبة . ما سبق كان عناصر لوحة فنية تكون فى مجملها قرية نوبية صغيرة إسمها صواردة تقع على ضفاف النيل النوبى ضمن قرى كثيرة متراصة تُشكل عمودية السكّوُت اكبر عموديات حلفا ..
حلفا . حاضرة المدن السودانية وأحد أقدم مدن إفريقيا والعالم و التى ترقد الأن فى سلام فى قاع بحيرة النوبة الممتدة بين مصر والسودان بجوار شقيقاتها من القرى النوبية فى وادى النيل إثر بناء السد العالى وخزان أسوان

نعود لقريتنا صواردة ولبيت نوبى فسيح ترقد فى أحدى حجراته بتول أحمد بدرى شريف إينة عمدة صواردة أحمد بدرى شريف المسجون وقتها فى سجن دنقلة لرفضه دفع خراج القرية إلى الأتراك الحاكمين , بتول تعانى من الآم الوضع وبجوارها أمها وبعض من نسوة القرية . ويرقد فى حجرة مجاورة زوجها على فراش الموت ينتظر الأجل المحتوم .
 وتضع بتول ذكراً .. وفى نفس الوقت يستريح أبوه من عناء الأنتظار . وفجأة ..  زغردت النسوة  إبتهاجا بالمولود الذى سُمى على إسم خاتم النبيين والمرسلين .. محمد , وتنصب القرية سرداق عزاءها بعد ان غادر الأب سريعاً .. وترك أبناً ستبتسم له الأقدار
  أسمه محمد عثمان حسن صالح وردى ....
 التاريخ  19/7/1932


مشهد 2 
الزمان العقد الأول فى الألفية الثانية
 أستديو فسيح وفخم جداً  و وسط ديكورات وتجهيزات أسطورية وقفت مذيعة البرنامج الحسناء فى كامل زينتها وتألقها وحولها أوركسترا موسيقى ضخم , وقفت تقدم برنامج غنائى هو  الأشهر فى الوطن العربى وتنتظره الجماهير من المحيط للخليج والذى يستضيف أسبوعياً نجم شهير من بين نجوم الغناء العربى ليتحدث عن تجربته الغنائية ويشدو بأحلى اغانيه وسط صيحات وتصفيق جمهور الحاضرين بأجر من الفتيان والفتيات , البرنامج يستضيف كثير من النجوم , الغث منهم والسمين
من الشمال عند  جبال لبنان وقيسون حيث راغب و نانسى وهيفاء ثم شرقاً بمنطقة الخليج ومطربيها الكبار حيث الجسمى وراشد ومحمد عبده مروراً بالوسط وقلب الوطن العربى مصر بمطربيها على كثرتهم ومنهم أنغام وشيرين وتامر  نهاية بأقصى المغرب العربى وفنانو تونس والجزائر والمغرب لطيفة و صابر و جنات .... الخ ... ولــــــــــكـــــــــــن ,,,
  هم لم يهبطوا جنوباً للأسف , لم ولن يعترفوا أن فى الجنوب وعلى ضفاف وادى النيل توجد أساطير الفن والغناء والكلمة واللحن والأداء ... أملك إيماناً عميقاً مفاده أن أغنية واحدة من وادى النيل بألف مما يعدون
ولكنه وللأسف الجنوب الفقير الذى تعيش فيه  الجماهير السوداء الفقيرة التى لا تملك رأس المال لكى توهب فنها ما يستحقه من مقام رفيع وإحتفاء من عالمه العربى الذى تنتمى إليه إسماً .. الثرى الخليجى والعربى الابيض الذى تتوجه إليه كاميرات البرامج وشركات الأنتاج الكبرى و حناجر المطربين والقنوات القضائية ,  كلهم تجذبهم حافظة نقوده المنتفخة ليغنوا بلسانه ولذوقه ..
 حتى صار الذوق السمعى  رهن لرأس المال حيث كان ... يتبارى الكل فى إرضائه
 من يكون مصطفى سيد احمد و خليل فرح و محمد وردى ومحمد الأمين و صلاح بن البادية و عبد الكريم الكابلى . من يكونوا هؤلاء ؟ مجرد فقراء يغنون بلسان ولذوق فقراء مثلهم
كم إعلان سياتى للمحطة لو كان ضيف الحلقة القادمة من البرنامج  محمد الأمين ؟؟
 بكم سنبيع تذكرة الحفلة لو كان مطربها محمد وردى على أسطوريته ؟؟
كم سودانى أو نوبى يستطيع ان يدفع 300 دولار سعر التذكرة فى أقل حفل ؟؟
بل حلقة عن عظمة فن راشد الماجد او الجسمى أو حفلة يحييها راغب علامة أو شيرين هو المبتغى والمنية ..
اه لو كانت ثروة النفط فى وادى النيل ..... كانت ستتقاطر المحطات الفضائية  والكاميرات وكافة الوسائل الإعلامية وأشهر متعهدى الحفلات فى العالم العربى  إلى أرض الوادى منبع الفنانين العظام لكى يكونوا نجم الصف الأول ليس لفنهم وهو يستحق بالطبع ولكن لجيوب جمهورهم المليئة بالدولارات .....
تباً وسحقاً لراس المال وذوق رأس المال وعبيد رأس المال ,,,
رأس المال الذى يحدد ويختار النجوم والفنون فنجد قناة أسمها روتانا خليجية توثق لكل مطربي الذوق واللسان الخليجى  إبداعاتهم أياً كان رأينا فيها .
ولا يسعنا نحن أبناء الوداى فى النوبة والسودان سوى عظيم الجهد للتنقيب والبحث عن فيديو نادر أو ملف صوتى ردىء الصوت لعظماء فنانينا .
                                                         




     فى رثاء فنان إفريقيا الأول  ...  محمد وردى 

وردى أحد شوامخ الغناء فى إفريقيا والموسيقار الحائز علي جائزة نيرودا .. هو صانع الغناء الحديث ورائده الأول ، مسيرته الفنية والوطنية كانت مشواراً طويلاً . أسهم بإبداعه وفكره وجهده في تشكيل الوعى الوطنى فى كل ازمانه منذ فجر التاريخ منذ بعانخي مروراً بملاحم كرري وأم دبيكرات ومعارك الاستقلال منذ ثورة ود حبوبة وكفاح جمعية اللواء الأبيض ونضال الخريجين بقيادة أزهري ورفاقه . أمتلك قلوب محبيه من النوبة المصرية شمالاً إلى اواسط إفريقيا جنوباُ من اليمن شرقاً وحتى أبواب السنغال غرباً .. كان امبراطوراً فنياً متوجاً على منطقة القرن الإفريقيى كله . وردى الذى شاء القدر ان يرتبط اسمه بعملاق أخروان يولد والنوبة السودانية تغسل أحزانها أثر رحيل مطربها وشاعرها الأشهر خليل فرح الذى مات فى نفس عام مولد وردى , خليل فرح إبن حلفا والنوبة والرائد الذى مهد الطريق للرعيل الأول من فنانى السودان  والذى تكفيه فقط أغنية "عزّة فى هواك" التى سجلها بصوته فى القاهرة فى ثلاثينيات القرن العشرين .  وهى بمثابة النشيد القومى والشعبى الأول فى السودان وصارت علامة بارزة فى تاريخ الفن السودانى ولن أنسى الفنان صلاح بن البادية لما تغنى بخليل وعلامته البارزة فى تاريخ الغناء فى السودان فى أغنيته الرائعة - أبناء النيل  - " ونحنا زى ما قال خليل يا عزتنا نحنا فى هواك " للتدليل على رسوخ الأغنية فى وجدان الشعب السوادنى

خليل فرح 
 ويشاء الزمن أن تتشابك خيوطه و تمتد لتربط  بين عمالقة السودان فنجد الطيب صالح روائى السودان الشهير وصاحب الملحمة الروائية  " موسم الهجرة إلى الشمال " والذى لم تفز به نوبل وخسرت ارتباطها باسمه نجده يشترك مع وردى فى تاريخ الرحيل  ليصبح يوم 18/2 يوماً فريداً حزيناً فى تاريخ السودانيين حيث فقدوا فيه قامتهم الأدبية العظيمة الطيب صالح ثم الأن وردى

الطيب صالح روائى السودان الشهير

                    

الحديث عن وردى لا يبدو سهلاً , هو دولة مترامية الأطراف تحتار من أين تبدأ ..

وردى الرومانسى و العاطفى
قصص كل المحبين والعشاق فى تلك المنطقة من العالم كانت تغزلها وتزينها  أغانى وردى فى الحب والريدة و السهروالهجر والفراق و الفرح والعديلة والزواج  وكانت شرائط وردى أغلى الهدايا ورسول الصلح والغفران بين المحبين على مدى سنين واجيال وسنأخذ من معين وردى أمثلة على تفرده وتربعه على عرش فنانى السودان..
 أحدث وردى إنقلاباً فى الأغنية العاطفية والرومانسية السودانية عندما غنى رائعته بعد أيه فى ستينيات القرن الفائت أغنية بعد أيه فى مقدمتها الموسيقية تمثل إضافة خالدة فى تاريخ الموسيقى السودانية مثلها مثل قيمة أغنية أم كلثوم الشهيرة انت عمرى والتى كانت لقاء السحاب عندما لحنها محمد عبد الوهاب والتى كانت فتحاً جديداً فى المقدمات الموسيقية الشرقية .
والأغنية كاملة من حفل محمد وردى فى عدن* ..
" جيت تايب يا حليلك والفؤاد ملكوه غيرك - ربي يعدل ليك سبيلك وكل مناي في الكون عديلك "

أغنية بعد أيه كاملة من حفلة عدن 


 ومازالت أغنيته - عيون -  ماثلة فى أذهان كل العشاق والمحبين عندما قال  أجمل وصف لعيون حبيبته من غير امعان في الحسيات

 " عيونك زي سحاب الصيف تجافي بلاد وتسقي بلاد .. وزي وطنا وقت اشتاقلو برحل ليه من غير زاد "


بل إن أغنيته الشهيرة - الود* - كانت سبباً كافياً لتكتب الصحفية السودانية المهاجرة فى كندا رقية رواق نصها الأدبى البديع فى رثائه
عزيزى محمد وردى .. لك كل الود

 . وتأتى أيضاً اغنية سوات العاصفة بإيقاع السيرة المميز عندما يصف حاله لما داهمه الحب وكيف فعل فيه

 " فعل السيل وقت يتحدر .. يكسح ما يفضل شى .. ده كان حبك وقت حسيته .. وشفت الدنيا دارت بى "


وردى النوبى








الملك تراهاقا النوبى أسس احد أعظم الأمبروطوريات فى التاريخ الإنسانى وامتدت دولته التى كانت مركزها فى منطقة النوبة إلى الجزيرة العربية والشام واواسط إسيا إلى جنوب تركيا وكان ذلك فى عام 664 قبل الميلاد  . عندما تتطالع صورته لا تستطيع ان تُبعد عن خيالك صورة حفيده وردى الذى يماثله فى قامة عملاقة مهيبة و وجه نوبى تنطق تقاطيعه بشموخ غامض وتصادف ان يخلفه أيضاً فى امتلاك قلوب وعقول النوبيين فى اوطانهم وفى الشتات , ولم يكن هناك أفضل من وردى ليخلد سيرة هذا الملك العظيم

" هاهنا يبتسم النهر القديم لبعانغي .. لتهراقا ولمهدي  .. لعلي عبد الطيف .. ولعبد القادر حبوبة "
كما لا تُنسى  إلياذته -  يقظة وطن -  كلمات النوبى مرسى صالح سراج

 " عزم تراهاقا و إيمان العروبة ... عرباً نحن حملناها ونوبة "
                                                         وردى فى حلته النوبية ورطانته الشجية 

 وردى نال نصيبه مثل اى مناضل فى وطنه وسجن فى اواخر الخمسينيات فى عهد عبود بسبب موقفه من مأساة التهجير* التى لن ننساها أجيال خلف أجيال بعد   وعلى الجانب النوبى وردى خسارة نوبية فادحة  ... لسان نوبى عتيق وأصيل يُفقد  وفى المقابل لا نصيب من لساناً نوبياً جديداً يعوضه .. وردى كان يعد وعاء ثقافياً وتراثياً لغوياً متحركاً كان يجيد النوبية بكل لهجاتها الكنزية والفدجكية و المحسية والدنقلاوية وردى فى اللغة النوبية فقط  يمكنك إعتباره بروفسيراً متمكناً ومتخصصاً فأى خسارة تلك ؟؟؟


وردى الافريقى

وردى فى الزى الإفريقى - حفل أديس ابابا 1994
نعم مات العملاق وردى .. الشامخ بنوبيته والمؤمن بسودانه و الفخور بأفريقيته . غادرنا وردى و ترك النيل والجبال والنخيل و الصحارى والوديان والغابات والأحراش والوطن والسحنة النوبية والوشمة الزنجية بعد أن خلدهم بأغانيه البديعة .. مات وكثيرون جداً فى عالمنا العربى للأسف فاتهم ان يعيشوا فى عالم ودنيا كان يملأها وردى فنا وإبداعاً ونوراً .. ولكن مملكته الإفريقية شهدت له وعشقته وبكته دموعاً مازالت جارية حتى الآن  وعوضته عن عالم عربى ثرى و رخيص فى نفس الوقت واهدته لقب فنان افريقيا الأول بغير  استفتاءات أو ارقام مبيعات وكيف لاتهديه هذا اللقب وقد غنى لها ولأرضها السمراء ولرموزها التاريخية ومثال ولا أوضح على هذا أغنيته الخالدة أنا إفريقى حر  والتى غنيت خصيصاً  لــ ( باتريس لومومبا ) الرئيس الكونغولى المنتخب والذى قتله المستعمر البلجيكى وتلوثت يد نظام عبود بدمه أن ساند ودعم القوى الإستعمارية فى سلبها ونهبها لأراضى الكونغو وثرواته من الماس وخلافه ورفضت سودان عبود تقديم الدعم للمناضل لومومبا كما رفض تمرير المساعدات التى قدمتها مصر والإتحاد السوفيتى مما اثار حفيظة السودانيين وقتها  وساهم فى تعبئة المشاعر الثورية لدى جميع قطاعات الشعب ضد ذلك النظام البغيض  فكانت رائعته - أنا إفريقى حر  -  والتى يطلق عليها نشيد لومومبا
يابلادي يابلاد الشمس
أرض العرايا الطيببين يابلادي
سرقوك نهبوك من سنين وسنين يابلادي
وابناؤك يابلادي في البادي كادحين يابلادي
كم طريد ... كم قتيل ... كم سجين يابلادي
خضبوا الغابات غدراً بالدماء تركونا في العراء
تركونا دون قوت . دون ماؤي أو كساء
أنا افـــــريــــــــــقي حـــــــــــــــرّ  ....  أنا افـــــريــــــــــقي حـــــــــــــــرّ
والحرية في دمي ولسوف أحطم الأغلال مهما كمموا فمي
ارض جومو* يابلادي .أرض ناصر . أرض لوممبا* العريقة  يابلادي
لقب فنان إفريقيا الأول لم تمنحه لوردى الفضائيات الغنائية أو شركات الأنتاج الكبيرة و أنما منحته له جموع العرايا الفقراء فى غابات و أحراش إفريقيا .  منحته له عندما وقف وسطهم وردى بقميصه الأصفر البسيط فى ستاد العاصمة اديس أبابا يغنى وسط مدرجات مكتظة ببسطاء اثيوبيا أتوا من كل أنحاء البلد الإفريقى الكبير ليروا مليكهم وأبنهم ورفيقهم و شبيههم فى سواد بشرتهم وبساطة ملبسهم وليرقصوا على أنغام موسيقاه الخماسية ويستمتعوا بأغانيه الشهيرة 

                                                        وردى فى أثيوبيا - ستاد اديس ابابا 1994


يحكى الصحفى السودانى عادل الباز ويقول : "وأنا أتسكع في شوارع أديس أبابا سمعت أغنية نور العين لدى احدهم توكلت على الله وصعدت إلى حيث الصوت. مجموعة من الشباب الأثيوبي يتحلَّقون حول إستريو كبير ويغنون مع وردي ويرقصون , قال لي أحدهم لن ينافس وردي في أديس إلا «استير»!! .. و«استير» هي مغنية الأحباش الشهيرة . في ذلك الوقت كان وردي يقضي ليلته الأخيرة بمستشفى فضيل . ما الذي جاء بوردي هنا؟ وكيف غزا وردي قلوب الأحباش ، ففاضت شوارعها ومسارحها بغناء هذا النوبي؟"

ليس فى أثيوبيا فقط ... فى أسمرة عاصمة ارتيريا الغريم اللدود لاثيوبيا والتى أنفصلت عنها فى أواخر القرن العشرين وقف وردى على اشهر مسارحها ليغنى  اريتريا الصمود ... نرى بوضوح أن الرفاق يختلفون ويتصارعون ويبقى اتفاقهم الوحيد على وردى وعلى تأكيد حقيقة أن وردى لكل الأفارقة تماماً كما كانت فيروز فى لبنان وقت الحرب الاهلية الدامية كل الطوائف تحارب بعضها ثم تركن لتستريح وتسمع فيروز النازفة دماً على وطنها المحروق . اه لو كان المبدعون فى مقاعد الحكم لا الساسة

                                                       وردى يغنى لأريتريا الصمود 


وردى الوطنى
أعتقد جازماً انه لم يغنى مطرب لوطنه كما غنى وردى للسودان ..
فى أحراش جوبا فى أحتفال دولة جنوب السودان الوليدة بإعلان استقلالها كان وردى موجودا بين بنى وطنه سابقاً وصعد على المسرح وغنى دامعاً قاصداً متعمداً .. ابداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا .. بكل رمزيتها وقسوتها ووجعها فى تلك اللحظة  وكان رد فعل الجنوبيين هو الأغرب حيث اندفعوا لخشبة المسرح يحييوا ويبشروا ويلوحوا لوردى وسط دموع غزيرة لا تعلم ولا تسأل عن تفسيرها  نظر سياسيو الشمال المدعوين والحاضرون الحفل وقتها لبعضهم والسؤال يفرض نفسه  ماذا لو كان وردى هو الرئيس وليس البشير؟
من المعروف عن وردى تاييده للزعيم الوحدوى جون قرنق و لما وجهت له ما يسمى بتهمة تأييد قرنق
صرح قائلاً "  الراحل جون قرنق صديق عزيز جداً وفقده السودان كثيراً ولو كان موجوداً لتغيَّر الوضع الحالي، وليس عيباً أن أنتمي للحركة الشعبية لأنها حركة لتغيير السودان القديم لسودان جديد وأنا مؤمن جداً بهذا الطرح "
وكان الأنفصال بعد إغتيال جون قرنق  النهاية التى للأسف لم يتمناها وردى عندما غنى - أيام أكتوبر - فى ستينيات القرن الفائت
" من أقصى شمال بلادى لأقصى جنوب الوادى نعمل للوطن الواحد "
او لما غنى رائعته  - شعباً تسامى -  وقال مخاطباً  وطنه الكبير الواحد
" قدرك عالى قدرك .. يا سامى المقام .. ضد العنصريه ... وتحلم بالسلام "
فى أكتوبر 1964 إنطلقت أول ثورة شعبية عربية فى الخرطوم ضد حكم العسكر وحاصرت جموع الشعب السودانى الهئيات والأتحادات والنقابات القصرالرئاسى حتى خلعت المجلس العسكرى بقيادة عبود الذى اذاق الشعب السودانى صنوف القهر و العذاب .. و ويقال هنا أن تسليم السلطة بشكل مفاجىء وقتها لعبود وللمجلس العسكرى  كان صنيعة مصرية لتمرير إتفاقات بناء السد العالى واتمام علميات تهجير النوبيين  حلفا القديمة إلى حلفا الجديدة فى خشم القربة شرقى السودان  وأنطلقت الثورة فى كل أرجاء السودان و خلعت عبود ومجلسه  وكان عنوان أول ثورة شعبية عربية قبل الربيع العربى بما يقرب من نصف قرن هو صوت وردى  فى رائعته - اصبح الصبح - .. أشهر أغانى ثورة أكتوبر
أصبح الصبح ‏
ولا السجن ولا السجان باقي‎
واذا الفجر جناحان يرفان عليك‎
‎‎وإذا الحزن الذى كحل هاتيك المأقى
ابداً ما هنت يا سوداننا يوم عليناثورة اكتوبر التى يتحسر عليها وردى ويتعجب من عدم احتفال النظام بها رغم مباركة كل التيارات لها يمين ويسار وعسكر


                                                      وردى مستنكراً عدم الأحتفال بأكتوبر


وعلى كثرة  ما غنى وردى لأكتوبر .... تبقى - أكتوبر الأخضر- هى الأهم والأعظم فى رأيى وتابع ادائه هنا .. هو ليس مطرب يؤدى اغنية  ..  بل هو قائد ثورى يلقى بياناً على شعبه
وتسلحنا باكتوبر .. لن نرجع شبراً
سندق الصخر حتى يخرج الصخر لنا زرعاً وخضرة
ونرود المجد حتى يحفظ لنا الدهر إسماً وذكرى
باسمك الأخضر يا أكتوبر الأرض تغنى
بأسمك الشعب انتصر وحائط السجن إنكسر


                                                 وردى فى نشيد أكتوبر الأخضر 

ويواصل وردى مسيرة نضاله الوطنية فنجده بعد ما يقرب من 20 عاماً عندما إنقلب جعفر نميرى على أفكاره وتوجهاته وأنتهج سياسة القمع وحبس كل  المعارضين وتكميم كل الأفواه وقمع كل الحريات حتى صار الشعب السودانى كله مساجين تحت الطلب فى سجون نميرى وخاصة بعد   فشل إنقلاب هشام عطا 1971 الموصوف زوراً بالإنقلاب الشيوعى والذى لم يصمد اكثر من ثلاثة أيام وعاد بعدها نميرى أكثر دموية ووجه عدائه بالأخص  ضد كل ما هو يسارى  وشيوعى وتم تصفية وحل الحزب الشيوعى السودانى وإعدام معظم قادته وفى مقدمتهم سكرتير الحزب عبد الخالق محجوب  وأعتقل الكثير من الشيوعيين وأعتقل وردى بالطبع فى سجن كوبر ويقال ان وردى طلب ان يأتوا له بعوده داخل المعتقل فرد عليه رئيس جهاز الأمن  " يا محمد وردي نحن ما قبضناك عشان راكب دبابة نحنا  قبضناك عليك عشان عودك ده "  ثم زاد الطين بلة  وتبنى  نميرى فجأة تطبيق المنهج الأسلامى وقرب الترابى إليه وجعله مستشاره السياسى وصدرت أحكام سبتمبر 1983 الهزلية والخاصة بتطبيق الحدود الشرعية على شعب يقع معظمه تحت خط الفقر وعلى شعب منقسم بين الأسلام والمسيحية والوثنية واديان اخرى كثيرة مما سبب فى أشتعال ازمة الجنوب أكثر  فى تلك الأجواء وبعد أن أصبح السودان تحت حكم نميرى جحيم لا يطاق  قامت إنتفاضة أبريل 1985 وقامت جموع الشعب السودانى لتخلع نميرى وتسلم الحكم فى متوالية مملة  إلى وزير الدفاع وقتها  سوار الذهب ... وعاد وردى من منفاه وغنى - حمدا الله الف على السلامة - لوطنه بعد ان تم فك أسره من حكم نميرى الديكتاتورى الفردى

" السجن ترباسو انخلع . تحت إنفجار الزلزلة . والشعب باسره إندلع . حرر مساجينو وطلع . قرر ختام المهزلة . بلا وإنجلا "
" سداً منيعاً يا وطن .. صه يا طنين البلبلة .. أبداً لحكم الفرد .. لا .. تحيا الديمقراطية .. كم نفديك يا مستقبلا "
جدير بالذكر ان إنقلاب نميرى المايوى  ( مايو 1969 ) كان ثورة تنتمى فكرياً لليسار السودانى وأفكاره و توجهاته  ولاقت ترحيب كبير من كل مثقفى وفنانى السودان وفى مقدمتهم وردى الذى غنى كلمات محجوب شريف ( أنت يا مايو بطاقتنا التي ضاعت سنينا.. أنت يا مايو ستبقى بين أيدينا وفينا ) ولكن وبعد ان إنقلب نميرى على نفسه أعتذر وردى ورفيقه محجوب شريف للشعب السودانى عن تلك الأغانى ووصفوها انها كانت بمثابة قلة وعى فنى وسياسى و أجتماعى ومن أعراض ما يسمى ( مرض الطفولة اليسارية ) على حد تعبير لينين الشهير. ثم كان وقوع إنقلاب جبهة الإنقاذ الإسلامية يونيو 1989 ولم يستطع وردى العيش فى ظل حكم الإسلاميين الظلاميين وهاجر إلى القاهرة بعد ان سجل رأيه وموقفه فى هذا الأنقلاب الإسلاموى فى أغنيته " سلم مفاتيح البلد "

وتبقى أغنية - على اجنحة الفجر ترفرف -  درة وسط عقد فرد من الاغانى الوطنية السودانية
ارفع اصواتك هيبة وجبرة
وخلى نشيدك عالى النبرة
وخلى جراح اولادك تبرأ
                                                  على أجنحة الفجر وسط الأثيوبيين 

وردى السياسى


يعد وردى بجانب فنه أحد أهم أعمدة اليسار السودانى هو والراحل المقيم مصطفى سيد أحمد .. و عبر  وردى  فى أغانيه عن توجهه  السياسى بوضوح عندما غنى

 " تعاهدك يا بلادى حياتى بإخلاصى للحرية .. احارب من أجلك ذاتى ..  و اعدائك  ..  والرجعية  ..  لتصبحى دار للأحرار .. ينعم فيكى شعبى الأسمر يا بلادى يا بلادى "
وكان أكثر وضوحاً لما قال
  " إشتراكية سودانية .. إشتراكية سودانية .. من واقعنا لا من اكتر "
ويروى الصحفى المصرى يوسف الشريف فى شهادته المهمة عن السودان وأهله " الشاهد أن محمد عثمان وردى أكتشف نفسه يسارياً تلقائياً , ربما بحكم إنتماؤه الطبقى وربما أن الحزب الشيوعى كان حريصاً على جذبه إلى صفوفه " وكان وردى  نجماً دائماً فى حفلات الحزب الشيوعى السودانى .. ويبقى رثائه للمناضل الشيوعى السودانى عبد الخالق محجوب  فى اغنيته الرائعة بعنوان - عريس الحمى -  شاهداً أكيداً على تلك الشهادة تشعر وكأنه لم يكن يغنى فقط عندما قال ..

" يداً لو اذته ما بنسالما .. وكم نندما .. ورايتو ما بنسلما"" دوخ العدا فى محاكما .. كان وفى شمم .. هو الـ بيحاكما ..  روحه لا وجل راح يقدما "
فى المعتقل قبيل إعدامه
عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعى
 







                                                 وردى فى حفل الحزب الشيوعى فى ذكرى عبد الخالق محجوب


و إلى اخر لحظات عمره كان وردى يعلن موقفه  السياسى بكل وضوح ولا يخاف فى الحق لومة لائم ونرجع إلى اخر كلماته فى الحوار الاخيرالذى أجراه قبل رحيله بأيام  مع جريدة " اخر لحظة "
" الوضع السياسي الحالي أدخل شمال السودان في مطب، أولاً التقسيم الذي حدث في الجنوب والذي ظهرت آثاره بوقف البترول والتحرش الموجود بين الشمال والجنوب ومشكلة دارفور ثم جنوب كردفان والنيل الأزرق، فعدم المرونة في سياسة النظام الحاكم أدخلت السودان في أمر ضيق فمهما إدعى النظام بأن الحالة مستقرة فهناك ظواهر تدل على أنهم غير قادرين على وحدة البلاد ولا على علاقتنا مع الجيران ولا التقدم للأمام ."
 الكلام عن وردى لا ينتهى وسيرة وردى تستحق ان تكون موضوعاً للبحث الأكاديمى بأنواعه السياسى والفنى والإجتماعى . وفى النهاية اقول انه من الغبن الشديد ان مطرباً فى قامة وردى لا يتم توثيق مشواره بالشكل اللائق .. ولا تجد تسجيلات نقية واضحة لأهم أعماله واروعها
رحم الله محمد وردى بما أمتع الملايين التى عشقته والتى كان خير معبر عن أحلامها و الآمها وأنتصارتها و إنكسارتها وعواطفها وبما أعطى وطنه النوبى والعربى والسودانى والإفريقى من عظيم فنه . 

نحيب اهل السودان على فقيدهم الكبير

قالوا عن وردى ...

" كانت المرة الأولى التى أرى فيها وردى , ياإلهى بدا المغنى الكبير العظيم متألقاً مثل نبى , شهدناه على خشبة المسرح يشع كتمثال برونز هائل , لم تستطع وسائل التصوير بكافة أشكالها عكس الجمال الكاسح الذى تميز به "
الفاضل الهاشمى بعدما حضر أول حفلة لوردى فى دار سينما الحصاحيصا فى السبعينيات 

" هو نقطة البداية لوعى إستثنائى بالوطن "
محمد صالح إبراهيم - أديب سوادنى

" كان فخوراً بنوبيته , فصيحاً فى عروبته و العروبة أصلاً لم ولن تكون عرقاً , العروبة لسان كما قال الرسول (ص) العربى بلسانه وليس بعرقه "
الصادق المهدى فى رثائه لوردى
أبداً لن أنساك يا وردى ولن تنساك موسيقى وليالى المصريين والسودانيين ولن تنساك الموسيقى العربية ، رحمك الله رحمة واسعة .. وعزائى لكل مصر و السودان
الفنان المصرى محمد منير 


" يا لروعة أستبداد تلك الأسطورة .. إبتسام بقدر كبرياء وشموخ , كلمات دقيقة فيها قوة ونفاذ , مغنى إذا جاز الأختصار ... وطن إذا شئت الأختيار .. هو ذلك الذى يجعل للأمم رسماً "
أحمد القرشى 

" عندما رحل مصطفى سيد احمد رحل نصف الوطن وها هو النصف الآخر يرحل "
مواطن سودانى 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حفلة وردى فى عدن * : أقيمت الحفلة عام 1984 فى عدن عاصمة اليمن الجنوبى الإشتراكى , التجربة العربية الإشتراكية الحديثة والتى ولدت على اكتاف زعماء يساريين مصريين مثل الراحل زكى مراد والراحل نجيب الهلالى وكانت اكثر من واعدة ولكن تم وأدها بعنف لصالح القوى الرجعية فى المنطقة , والحفلة إقيمت أساساً للأحتفال بذكرى مرور 20 عاماً على ثورة اكتوبر السودانية المجيدة
اما الحفل فأعتقد ان من لم يشاهد وردى فى حفلة عدن فهو لم يشاهد وردى من الأساس . وردى قدم أعظم ادائه وتجلياته فى تلك الحفلة وكان فى قمة لياقته الفنية وكان اداء الفرقة الموسيقية المصاحبة أداء خرافى على حد رأى المتابعون وكان الجمهور وهو خليط من يمنيين و سودانيين وأثيوبيين ومصريين فى حالة انتشاء واضحة , ويلاحظ ذلك بوضوح من خلال تنقل الكاميرا بين صفوف الجماهير حيث كان كلً سابح فى ملكوت المتعة والنشوة بفعل اداء وردى الساحر فى تلك الليلة الفنية التى لا تُنسى . ومن المحزن ان كل التسجيلات المتوافرة لهذه الحفلة ليست على المستوى المطلوب ... يا لسعادة حظ كل من وضعته اقداره فى ذلك المسرح فى تلك الليلة


* الود : احد أشهر اغانى وردى العاطفية و تعد علامة غنائية من حيث الكلمات والألحان وهى من تأليف عمر الدوش وتلحين وردى وقام بتوزيعها الموزع الأرمنى ( اندريا رايدر ) وسجلها وردى فى القاهرة بصحبة أوركسترا مصرى عازف واحد فقط من السودان هو محمدية عازف الكمان الشهير , وقد أشتهرت بمقدمة موسيقية طويلة على غير المألوف وقتئذ فى الأغانى السودانية .
ويحكى وردى حكايته مع الود واندريا رايدر فيقول : عندما دخلتُ الصالة .. أذكر أن بصري وقع أول ما وقع على الفنان الكبير فريد الأطرش وبجانبه عوده المزخرف على نحو أنيق ورائع .. ومجموعة من الفتيات والفنانات المصريات والعربيات .. سألني أندريه مبتسما ابتسامة الفنان الذي يتوقع بحدسه الذكي ميلاد مفاجأة ما من أنت؟أجبته بثبات: (محمد وردي .. مطرب من السودان) .. رحب بي وأجلسني إلى جواره .. أضفتُ بدون تردُّدٍ (لديَّ عمل فني قمت بتلحينه في السودان وأرغب في عرضه عليك لتوزيعه إذا راقك) ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة واسعة شجعتني .. طلب أن يسمع شيئا من ذلك اللحن .. لم يكن معي عود .. فبادر أندريه بطلب عود الفنان فريد الأطرش الذي كان ينظر لي نظرة نجم القاهرة للغريب المقتحم .. استجمعت في تلك اللحظات كل شجاعتي لتأكيد استحقاق أغنية الود للمشقة التي تكبدتـها من أجلِها منذ سفري من الخرطوم وحتى وصولي إلى القاهرة وانتهاء باقتحامي هذه السهرة المترفة .. غنَّيت بصوت عالِ أذهل الحضور وتمدد مستفيدا من الصمت الذي فرضه على المكان .. وكانت المفاجأة أن أندريه أمسكني من يدي وطلب مني الانتقالَ معه إلى غرفة داخلية ..كان بها البيانو الكبير الذي يستخدمه شخصياً .. ومنذ تلك اللحظة كان ميلاد أغنية الود التي لم أشأ أداءَها مرةً أخرى حتى لا يتشوَّه توزيع أندريه الرائع لها). وأضاف وردي (أصريتُ على أن يتمَّ عزفُ مقدمة المقطع الثالث من الأغنية بآلة الطمبور.. وكانت تلك مغامرةً تجريبيةً أثبتت إمكانيةَ هذه الآلة العريقةِ على مزاملةِ بقية الآلات الموسيقية الثابتة .. بل وأثبتت تألقها.. وذلك ما جعل ذلك المقطع من الأغنية ساطعَ الحضور في سماء القالب اللحني العام للأغنية". ولأن اللحن بلغ حد الكمال الموسيقي آثر الموسيقار الراحل الا يشدو به مرة أخرى وأضحى لا يعيد غناءها ثانية وظلت هكذا بتوزيع العبقري (رايدر) وإلى الأبد.


* سجن وردى بسبب مأساة التهجير :  نوفمبر 1961م يعتبر علامة أخري فارقة في علاقة وردي بنظام عبود ، ففي ذلك الوقت بدأت الخطوات التنفيذية لتطبيق إتفاقية مياه النيل ، التي مهدت الى قيام السد العالي ، وهو ما يتطلب ترحيل أهالي حلفا .،، الحكومة إقترحت ثلاثة أماكن كخيار أمام الناس : إما منطقة حوض السليم في دنقلا ،، أو جنوب الخرطوم ،، أو حلفا الجديدة ،، ... معظم أهل حلفا إختاروا حوض السليم خياراً أولاً ،، ثم جنوب الخرطوم كخياراً ثانياً ،، وأخيراً حلفا الجديدة .. وأرسلت الحكومة وفداً برئاسة طلعت فريد الذي قاد الجانب السوداني في المباحثات ليخبر الأهالي بذلك .. وكان أن إنفجر الغضب الشعبي وتم حصار الوفد ، وقام النوبيون في الخرطوم بتنظيم إجتماعات في منزل وردي ، ومنازل أخرين أمثال : جمال محمد أحمد وزير الخارجية فيما بعد ،، وأخيه محجوب رجل الأعمال ،، ومحمد توفيق ،، نتج عن هذه الإتصالات الدعوة الى المظاهرات التي تمت في نوفمبر 1961م . وكانت أول تحد شعبي للنظام العسكري ، في تلك المظاهرات عرف وردي مسـيُل الدموع لأول مرة ، وتم إعتقاله مع آخرين ، وأخذوا الى مديرية الخرطوم ، وقرروا ألا يتحدثوا باللغة العربية إطلاقاً في التحقيق . وبالفعل مكثوا عشرة أيام ، ويذكر أنه كان يستجوب وردي ضابط يدعي / عبدالمنعم جاويش  ويقول له : (( يا محمد ... أنت مدرس لغة عربية ، كيف تقول إنك ما بتعرف عربي !؟ ))  وكان ردهم أن يحضروا إليهم ضباطاً نوبيون ليتفاهموا معهم بالرطانة .. وفي النهاية وبعد الفشل في إستجوابهم ، عملوا لهم محكمة صورية ، وحكموا علي وردي بالسجن ومنع أغانيه من الإذاعة .

* جوموجومو كنياتا أول رئيس لكينيا واسمه الكامل كامو جوناتون كينياتا وقد ولد في نيروبى 1894 وتوفي في مومبازا فى 1978 وكان معروفا بجومو كينياتا. كان سياسيا كينيا من أصل قبيلة كيكايو .  وأصبح كينياتا رئيس حكومة كينيا، المستقلة في 12 ديسمبر 1963. وبعد عام أي في 12 ديسمبر 1964 . وكان  رمزا للمقاومة الشجاعة ضد الاحتلال والكفاح من أجل توحيد كافة الطوائف الدينية والعرقية في كينيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 هوامش ..
أحمد حمروش ... مصر والسودان كفاح مشترك
 يوسف الشريف .. السودان واهل السودان
عبده يوسف صالح .. وردى فنان كل الأجيال
مشار كوال اجيط .. رثاء وردى فى منتدى يوسف كوة
صفحة التعريف بمحمد وردى على موقع الموسوعة الحرة ويكيبيديا
حوار محمد وردى الأخير مع جريدة اخر لحظة 

هناك 6 تعليقات:

  1. بص يا مصطفي البوست دي، او بشكل ادق المفال دة اكد عندي جدوي الاعلام الالكتروني و انه مساحات حرة نعبر بها عن ذاتنا و احلي حاجة بتحصل و احنا بنعبر عن ذاتنا ، اننا بنظهر زوايا ما بيشوفهاش الاعلام التقليدي ... بتلقي الضوء علي المهمش و الغير مهم. انا اتأثرت جدا و انا باقرأ نبذة عن البني ادم دة اللي تفاعل مع هموم وطنه و ما انسلخ و قدم فن سلعي يتوه الناس و اعتذر ساعة ما حس انه بوق للسلطة

    اما بالنسبة للفاجعة اللي انا اكتشفتها ، انا ما كنتش اعرف ان الطيب صالح مات و دة خبر كفيل بانهاء يومي بشكل حزين جدا
    لغتك راقية اوي و سلسة كمان .....

    ردحذف
  2. شفتى الصدف ...
    يوم وفاة الطيب من سنتين ... كتبت جملتك بالظبط يومى حزين بعد نبأ وفاة الطيب

    الطيب مات و وردى مات وقبلهم مات مصطفى سيد أحمد وهو عنده 40 سنة
    مصطفى سيد احمد .... مثال لــ يأتون ويذهبون سريعاً
    مشى فى جنازته 20 الف سوادنى
    ده عاوز قعدات لوحده

    ردحذف
  3. وصلت لنصف المقال فقط حتى الآن .. مش قادر أكمل من البكا .. أسطورية يا مصطفى الكاتب والمكتوب عنه ..

    ردحذف
  4. وردى م تنجب مثله ام في افريقيا , وردى لا يقل اهمية عن النيل الذي يجري في ارض السودان.

    ردحذف
  5. تُشكر يا عمنا دانو على إهتمامك :)

    ردحذف