الثلاثاء، 12 أبريل 2011

نحو فهم مختلف للعلمانية


لقد قلت سابقا وسأظل أقول أن الجدل حول العلمانية والاسلام في الحوار المتمدن بل في العالم العربي كله هو جدل سفسطائي .. لأنه يقارن بين مفهومين أحدهما دنيوي لا علاقة له بالدين ولايعادي الدين في نفس الوقت .. وبين مفهوم ديني سواء روحاني أو سياسي .. وفي تلخيص لمقالات نشرتها سابقا اقول التالي:العلمانية في الغرب والذي أتي منه المصطلح .. لا يهمها في الحقيقة إن كان المواطن متدينا أو ملحدا .. لا يهمها ان عبد هذا المواطن الها أو بقرة طالما كان هذا الإيمان أو التدين علي المستوي الفردي ..ولكن يهمها ألا يكون الدين وسيلة للسيطرة السياسية كما كانت تفعل الكنيسة في العصور الوسطي وكما تفعل كثير من الحكومات الاستبدادية وجماعات الاسلام السياسي في عالمنا اليوم ..

هل يمكن ان يكون المواطنون مسلمين او مسيحيين .. علمانيين في نفس الوقت .. من منطلق التعريف العملي للعلمانية كما هو مطبق في كثير من بلاد العالم وكما هي الحقيقة في مصر كمجتمع رغم وجود المادة القانية للدستور ورغما عن انف رئيس حزب الوفد سيد البدوي الذي اعلن ان الحزب ليس علمانيا خوفا من ارتباط كلمة العلمانية بالكفر .. ممكن ان يكون الانسان مسلما او مسيحيا وعلمانيا في نفس الوقت ..الحقيقة أن مصر .. كمجتمع ونظام هي دولة علمانية حتي النخاع .. الدين فيها هو دين .. والدولة فيها هي دولة .. والإنسان فيها حر في اختياراته .. المجتمع المصري ومنذ عشرات السنين بل ومئات السنين هو مجتمع علماني بالسليقة والفطرة دون أن يتعب نفسه في تعريفها.. في الريف والحضر ... يمارس بتلقائية الاختلاط بين الجنسين والمرأة فيه سافرة في القرية قبل المدينة .. ويمارس بتلقائية شديدة الحرية الدينية قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقبل الدستور .. موسي نبي ... عيسي نبي .. محمد نبي .. وكل من له نبي يصلي عليه ..تجد في كل قرية أو مدينة مسجدا وكنيسة وقهوة .. من يريد أن يذهب الي أي منهم .. لا يستطيع أحد منعه .. في اي وقت .. الحرية متروكة للإنسان المصري بتلقائية شديدة .. اين يحب أن يتواجد ..الشعب المصري كله تقريبا .. يحتفل بالمولد النبوي ويحتفل بالكريسماس .. ورأس السنة الميلادية الجديدة .. يحتفل بشم النسيم وهو احتفال فرعوني .. ويحتفل بعيد الغطاس وخاصة في الريف .. مسلمين ومسيحيين ..المضحك المبكي .. أن الشعب المصري في الواقع هو شعب علماني حتي النخاع .. ثم نجد من يعتبر العلمانية سبة ..

كل النصوص الدينية سواء في الاسلام أو الأديان الأخري ..بها مايتعارض مع حقوق الانسان ودولة المواطنة والقانون المدني وهو ماتمثله الدولة المدنية الحديثة التي يمكن تسميتها علمانية حسب فهم من يصرون علي التناقض الصارخ بين الاسلام والعلمانية .. العهد القديم أو التوراة مثل القرآن به من النصوص مالا يتفق ابدا مع العلمانية والعهد الجديد لم يلغي العهد القديم .. ولكن العلمانية في الغرب استطاعت أن تتجاوز هذه المعضلة عندما لم تحاول أن تقضي علي الدين نفسه بل القضاء علي طبقة كهنة المعبد الذين يستغلون الدين لمصلحتهم ضد مبدأ العدالة الاجتماعية الذي يريده العامة .. وبالتالي نجحوا في اقناع العامة أن مصلحتهم هي فصل الدين عن الدولة .. وقراءة النصوص الدينية قراءة زمنية وجغرافية ..

وهي النقطة التي يفشل فيها غلاة العلمانيين العرب ولا يستطيعون فهمها .. والتي نجح فيها مثلا جمال عبد الناصر في فهمهما ببساطة وتلقائية .. انحاز الي العدالة الاجتماعية والي الغلابة فاستطاع بتاييد الغلابة المؤمنين في نفس الوقت أن ينكل بكل جماعات الاسلام السياسي .. أعدم سيد قطب زعيم فكرة الاسلام السياسي .. وبكي الشعب جمال عبد الناصر ولم يذرف دمعة علي سيد قطب .. جمال عبد الناصر كان علمانيا براجماتيا .. لم يحارب الدين نفسه .. ولكنه حارب الدين المتسيس .. ولو كان امهله الوقت و انحاز ايضا الي الشق الثاني من الدولة المدنية وهو الديمقراطية لكانت مصر الآن ومعها العالم العربي دولة مدنية علمانية بامتياز ..الرسل في حقيقة الأمر كانوا علمانيين .. المسيح عليه السلام بصرف النظر عن طبيعته كما يفهمها المسيحيون أو المسلمون هو من قال اعطي ما لله لله ومالقيصر لقيصر (قمة العلمانية البراجماتية).. وسيدنا محمد عندما لم يكن يسعفه الوحي في اي مشكله دنيوية زراعية او حربية كان يقول انتم ادري بشئون دنياكم .. وبعده علي بن ابي طالب في اي موقف سياسي كان لا يسعفه فيه القرآن ...كان يقول القرآن حمال اوجه ..وهو فعلا كذلك وهذا سر إعجازه الحقيقي .. ولهذا ادعو العلمانيين العرب من الطرفين أن يكونوا براجماتيين .. فعدوهم الحقيقي هم طبقة كهنة المعبد من رجال الدين الذين يتحالفون مع كل مستبد ..ويفهمون أنه لا يمكن القضاء علي الدين ..أي دين ..سواء الاسلام أو غيره .. فالانسان البسيط بحاجه للهوحتي المجتمع بحاجة للدين .. فما يحمي مصر من الانهيار الاقتصادي .. هو أنه حتي مفسديها وسارقيها يخرجون الزكاة ويقيمون موائد رمضانية في فهم خاطيء ولكن مفيد في نفس الوقت أنهم يطهرون أموالهم ..عندما تنهار الدولة المدنية وتغيب العدالة الاجتماعية ... لابد أن يلجأ العامة الي الدين .. وهو ماحدث في مصر .. وأي هجوم علي الدين نفسه ... يصب في مصلحة كهنة المعبد .. وهي نصيحة لغلاة العلمانيين وغلاة غير المسلمين .. تعلموا من عبد الناصر .. ولنطالب جميعا بالدولة المدنية والعدالة الاجتماعية .. دولة المواطنة وسيادة القانون المدني .. ونقلل من استعمال كلمة العلمانية ..فهو مصطلح تم تشويهه من قبل الجميع ...أعداؤه وأنصاره في نفس الوقت.... العدالة الاجتماعية والدولة المدنية هما حلنا الوحيد

لقد عرف توماس جيفرسون العلمانية تعريفا براجماتيا بحتا منذ قرنين من الزمان في أمريكا عندما قال: لا يهمني ان كنت تعبد الها او حمارا .. المهم ان تكون مواطنا يفيد الوطن .. فتستفيد من هذا الوطن.. ومن لحظتها وحتي الآن تحولت امريكا التي تطبق عمليا نفس المفهوم حتي اليوم اقوي دولة في العالم .. مفهوم براجماتي عملي للعلمانية فهمه عبد الناصر ايضا .. فاستطاع ان يتخلص من جماعة الاخوان ويظل في وجدان الشعب المصري بطلا حتي اليوم ..ومن هذا المنطلق وليس من منطلق العداء للدين اطالب بالغاء المادة الثانية من الدستور المصري .. فالدولة هي شخص اعتباري تحمي حقوق مواطنيها من جميع الاديان ولا يصح منطقا ان يكون لها دين .. ومباديء الشريعة الاسلامية قد يصح ان تكون مصدرا للتشريع مع مباديء جميع الاديان ومع المواثيق الدولية والعرف لا أن تكون المصدر الرئيسي للتشريع ..أتمني أن تكون وصلت الرسالة مرة أخري..

عمرو اسماعيل 2010 / 10 / 3

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق