الثلاثاء، 12 أبريل 2011

متاهة المصطلحات ..



هذا مقال تمهيدى أتمنى أن تقرأه جيدا نظرا لأهميته البالغة. الأصل فى المصطلح أنه يختصر الوقت ويحمل معانى كثيرة فى كلمة واحدة بحيث لا تضطر لذكر التفاصيل فى كل مرة. لكن المشكلة نشأت حينما تحول المصطلح إلى عبء علينا، واشتدت الخصومات الفكرية - بلا مبرر موضوعى - بسبب عدم الدقة فى فهم المصطلح.

خذ عندك مثلا «الصوفية». ما الذى تقصده بهذا المصطلح؟، أهو التعمق فى الجانب الروحى بما يشتمل عليه من زهد وذكر وخلوة وتوهج قلبى ومقامات روحية، وكلها أشياء مطلوبة لا خلاف عليها؟. أم تقصد به الموالد والخرافات والتمسح بالأضرحة والتعلق بالقبور؟. لذلك أرجوك لا تقل «صوفية» وتصمت، حدد المعنى الذى تعنيه بالمصطلح أولا.

نفس الشىء ينطبق على «السلفية». يقولون إنها ليست مذهبا وإنما منهج فى فهم الدين بالطريقة التى فهمه بها خير القرون (أى القرون الثلاثة الأولى). ولكن من ناحية التطبيق: إذا كنت تعنى كيف نوحد الله ونصلى ونصوم ونحج فكلنا بهذا المعنى سلفيون. أما إذا كنت تعنى فهمهم للعلاقة بين الحاكم والمحكوم فقد انتقلت - أثناء القرون الثلاثة الأولى - من العدالة والمساواة فى الخلافة الراشدة إلى مجازر آل البيت والملك العضوض والحروب الداخلية.

كذلك كان فهمهم للزواج مقصورا على التعدد، فهل نستلهم كل هذه المفاهيم أم مسموح لنا ببعض الانتقائية؟. وهل نخطئ حين نقول إن المجتمعات الديمقراطية أقرب إلى سلفية الخلفاء الراشدين، فيما مجتمعاتنا الإسلامية أقرب إلى سلفية الملك العضوض؟. لذلك أرجوك لا تقل «سلفية» وتصمت، حدد المعنى الذى تعنيه بالمصطلح أولا.

وماذا عن «العلمانية»؟، أهى اللادينية التى يجب أن نقاومها بكل وسيلة ممكنة، أم هى عدم تدخل الدين فى أمور الدولة بحيث يحق لها إباحة الخمور والبغاء والقمار، وهذه أيضا نرفضها، أم هى قاعدة «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» وبالتالى تصبح العلمانية مفهوما إسلاميا صرفا؟. لذلك أرجوك لا تقل «علمانية» وتصمت، حدد المعنى الذى تعنيه بالمصطلح أولا.

و«اليسار» من فضلك، أهو الانحياز للفقراء وبالتالى يصبح كل من هو ليس يساريا «معندوش دم». أم هو المادية الجدلية التى تعادى الدين بلا مبرر وبالتالى يجب أن نرفضها؟. لذلك أرجوك لا تقل «يسارية» وتصمت، حدد المعنى الذى تعنيه بالمصطلح أولا.

كذلك «التشيع»، أهو محبة آل البيت الخارقة والحزن على مظالمهم؟ (وكلنا بهذا المعنى شيعة)، أم جعل التاريخ الإسلامى مؤامرة مستمرة وتحويل الصحابة - الذين نشروا الإسلام - إلى شياطين فى سقر؟. لذلك أرجوك لا تقل «تشيع» وتصمت، حدد المعنى الذى تعنيه بالمصطلح أولا.

والخلاصة.. أنك لو دققت فى المصطلح لوجدت أن أغلب خصوماتنا غير حقيقية، وإنما هى ناشئة عن سوء الفهم، ذلك لأنك تقصد شيئا معينا بينما يقصد غيرك شيئا آخر مختلفا.

مقال رائع للأروع
د.أيمن الجندى 
فى2010/ 4/10

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق